الاثنين، 31 ديسمبر 2012

حكايات من بلادي – محمد الفاضل

في تلك القرية الحالمة التي بدت وكأنها خرجت من كتب الأساطير حيث يسمر أبناؤها الطيبون كطيبة أرضهم تحت سماء ليلكية ، عالياً كان القمر في كبد السماء ينظر مبتسماً ، وهم يتناقلون حكايات العشق ومواسم الحصاد ، والأطفال يطاردون الفراشات الملونة بألوان قوس قزح , وينشرون الحبور وسط بيادر القمح وهي تتمايل بغنج بصفرتها الذهبية مثل حسناء تزهو بضفائرها بدلال. نسمات عليلة تهب فتتراقص السنابل على ألحان الطبيعة الخلابة ، لايكسر إيقاعها سوى حفيف أوراق الجوز والكون يحبس أنفاسه. اعتاد خالد أن يسند ظهره إلى شجرة جوز عملاقة في فناء دارهم التي تقبع خلف رابية خضراء ، كانت خيوط الشمس تتسلل على استحياء عبر الأوراق فينعكس الضوء على قسمات وجهه الذي يطفح بحمرة مشربة. ومن حوله كان أبناؤه الثلاثة يضفون جواً من المرح وهم يبحثون بنشوة عارمة بين الحشائش عن بيوض طائر الحجل. وقف الوالد بقامته الشامخة كجبال قاسيون والألم يعتصر قلبه وهو يرقب مشهد زوجته وهي مسجاة على الأرض جثة هامدة وبقربها يرقد فلذات كبده والدماء تغطي أجسادهم الغضة . في تلك اللحظة توقف الكون عن الدوران وأصبح كل شئ بلا معنى ، الحياة والموت سيان. ألقى عليهم نظرة وداع أخيرة وهويحمد الله على هذا البلاء الذي ألم بأسرته ، رفع رأسه إلى السماء وبدأ يتمتم بعبارات مبهمة وقد شل المشهد تفكيره ! كيف يمكن لتلك الوحوش الاَدمية أن تقتل بدم بارد عوائل بأكملها وتستبيح قريتهم الوادعة التي تغفو تحت ضوء القمر؟ سؤال دار في خلده وبدا وكأنه يهذي من فرط حزنه وهو يشيع بنظره أحبته تنقلهم سيارة الموتى إلى مثواهم الأخير. حكايات من بلادي – محمد الفاضل
Read more ...

الاثنين، 3 ديسمبر 2012

سنرجع مع أسراب السنونو – محمد الفاضل

سنرجع إلى حينا العتيق لنقبل حجارة الدار ونشم زوايا المكان الذي يعبق برائحة الذكريات وقصص الحنين ورائحة القهوة والزعتر والياسمين ، وحكايا العشق وأساطير المساء يوم كنا نتحلق حول مدفأة الشتاء والكون يلفه صمت وخشوع العاشقين ، في مساءات كانون وتشرين . نرهف السمع لصوتك الملائكي يروي حكايا أثيرة على قلوبنا الصغيرة الجذلى ، التي كانت ترفرف مثل فراخ الحمائم عندما تلوذ بأمها ... هل تذكرين ؟ يوم رحلنا بكت حجارة الدار وناح الحمام على الفنن ، وغادرت الشحارير أعشاشها مع السنونو والسمان في رحلة إلى الشمال .ترقبي عودتي مع أسراب السنونو في مواسم الفرح ، سنرجع مهما طال الزمان خبرني السنونو لنغسل وجع سنوات الغربة ولوعة الفراق. سأرتمي على عتبة الدار وألثم أناملك الطاهرة ، ياوجع وحلم السنين وملاذ طفولتي ، تذرفين الدمع الهتون وتخرج زفرات الوجد من شواطئ روحك المترعة بشوق سنين وسنين. أكاد أسمع دقات قلبي تخفق بين حنايا ضلوعي التي أرهقتها برودة الشمال وقسوة حكايات غابات التشرد ومرافئ الوداع والضياع. يوم رحلت وبقيت حلماً يخفق في ثنايا روحك الحزينة ، وعيونك التي ترقب عتبة الدار ، ترنو نحو الشمال تترقب عودة الغياب ، رحل الأحباب ولم يعودوا وبقي حلم العودة طيف يداعب أرواحهم التي لم تعد تحتمل وطأة الشوق ولهيب النوى ... حتى أنت ياوالدي ... ياورع وطهر العابدين ، وطيبة أهل الأرض ، ونبل فرسان حكايا أمي... رحلت وبقي حلم العودة غصة في خبايا روحك المتعبة ، سنرجع يابردى الطهر والجمال .. سنرجع مع نسائم الصباح ، مع قطرات الطل تلثم شفاه البابونج وشقائق النعمان ، مع تغاريد الشحارير فوق الأكمة ، نفترش الحقول والبيادر تحت نجوم لامعة وسماء ليلكية لنروي حكايا الغربة والحنين . سنرجع مع أسراب السنونو – محمد الفاضل
Read more ...