الجمعة، 3 يونيو 2016

لوحة ناطقة – محمد الفاضل



اكفهرت السماء واصطبغت بلون رمادي ، جن جنون العاصفة و بدأت تزمجر وكأنها عويل عجوز تنتحب ، في تلك اللحظة كانت روحه في حالة توحد مع الكون ، مثل متصوف زاده الخشوع نوراً ، يناجي رب العباد بتذلل ، والدموع الساخنة تنهمر فوق وجنتيه حتى خضبت لحيته ، وقف مشدوهاً وسط بقايا الأجساد المقطعة والأشلاء الَاَدمية التي تفوح منها رائحة شواء فوق أرضية الأسفلت ، وقد أفقده المشهد توازنه ، فبدأ يهذي والحزن يعتصر قلبه المكلوم ،

طار صوابه عند رؤيته رأس طفله الصغير وقد تلطخ شعره الذهبي بالدماء وتعفر بالتراب ، بالأمس القريب كانت ضحكاته تملأ المكان ، لطالما داعب خصلات شعره بيده الحانية ، فرد ذراعيه في الفضاء ، حتى بدا مثل صقر يحاول التحليق بأجنحته ليغادر هذا العالم المنافق .

مال برأسه نحو السماء و بدأ يتمتم ببعض الأدعية . على مقربة منه يرقد بقايا صبي وقد غطى وجهه وكأنه لا يريد رؤية قبح الانسان ، بالأمس كان يقفز فرحاً مثل طائر مغرد ، نحو اليمين قليلاً أصابع يد ربما تعود لأب كان يمسح على رأس أطفاله ويربت على أكتافهم ليبث الطمأنينة في نفوسهم البريئة ويهدأ من روعهم ، ولكل قطعة لحم حكاية تروي مأساة شعب ذبيح ، تنكر له الجميع .

خلفه تماماً رجل مسن انكفأ على وجهه وقد تجلط الدم حول رأسه . المشهد الأكثر قسوة رأس امرأة ملقى بعيداً ، علامات الفزع بادية على محياها وقد فغرت فاها وهي تصرخ ولسان حالها يقول ، كفى ... كفى ، أوقفوا الحرب ، ألم ترتوا من دمائنا ؟ لقد بدا ذلك الوجه مألوفاً ، لم يدر كيف قادته رجليه نحوها , تفحصها عن كثب ، تعرق وبدأت تسري في كامل جسده قشعريرة ، أحس بدوار وانتابه صمت عميق ، توقف الزمن عن الدوران في تلك اللحظة ، تسارعت دقات قلبه حتى خيل إليه أنه سوف يتوقف ، راعه ذلك الوجه !

- ولكنها زوجتي .. زوجتي الحبيبة ....

السويد –3 / 6 / 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق