السبت، 28 مايو 2016

رسالة طفل سوري – محمد الفاضل







أكتب لكم رسالتي التي يعلوها غبار المنزل ، بعد أن سقط فوق رؤوسنا ، لعل صوتي الصغير يصل إلى مسامعكم ، عسى أن تصحوا ضمائركم وتفتحوا أعينكم على الحقيقة المرة ، جسمي النحيل محشور بين كتل الأسمنت والحجارة ، بعد أن تهدم منزل أحلامي على رؤوسنا ، البيت الدافئ الذي كان يحتضىن الجميع ، أضحى ركاماً.

هنا كنا نتحلق حول مدفأة الشتاء ، على رائحة شواء الكستناء ، نستمع إلى حكايات جدتي عن الزمن الجميل ، هناك في تلك الزاوية البعيدة كنا نبوح للقمر بأحلامنا وأسرارنا ، نغزل من ضوء القمر مجموعة أمنيات ، هناك ترقد دميتي الملطخة بالدماء وتتبعثر أقلامي وكراسة رسمي ، صدري يضيق بالركام ، يجثم فوقه ، ولكن الهموم أكبر.

جبل من الهموم يرقد فوق أضلاعي ، في تلك الغرفة كنا نغفو على سرد الحكايات ولمسات أمي الحانية ، نرنو إلى القمر عبر نافذة الأحلام ، نطالعه في كبد السماء ، تتعلق به قلوبنا الصغيرة المثخنة بالجراح ، أنا ضحية المساومات وتصفية الحسابات ، أنا ضحية مؤتمرات الخسة ، حيث شربت الأنخاب ، أنا المواطن ، مجرد رقم في عشية الانتخابات.
أنا ضحية طالبي ثأر ، للحقد قد رضعوا ، تعشعش في عقولهم خيوط العنكبوت ، أنا الصغير لا أفقه بالسياسة ولا خطط التقسيم ، أنا من ابتلع البحر أمه وأباه ، أنا من أمسى بيته خيمة في وسط الصحراء ، بعد أن كنت للضيف أخا وحبيبا.
Read more ...

الجمعة، 20 مايو 2016

يوميات مدير – محمد الفاضل




وجد صعوبة بالغة في ارتداء بدلته الإيطالية هذه المرة ، في الأونة الأخيرة اكتسب عدة كيلوجرامات من الشحوم نتيجة شراهته المفرطة ، وبعد طول عناء ، نجح في حشر كرشه المتدلي داخل البدلة ، كان يتصبب عرقاً وتقطعت أنفاسه . وضع ساعة الروليكس في معصمه ولم ينس أن يتعطر بأفخر العطور الباريسية ، طالع نفسه في المراَة وشعر بالزهو ، ركب سيارته الفارهة وأشعل سيجاره وبدأ ينفث الدخان بعصبية ظاهرة وهو يتململ في مقعده الخلفي .

الزحمة خانقة في الصباح ، نهر سائقه بأن يسرع ، حار السائق المسكين ماذا يرد عليه ، ولكنه أذعن للأمر وبدأ يضغط على دواسة البنزين ،
- اللعنة على هذه الشوارع ، تبا لأنظمة المرور ! متى يتطور هذا البلد ؟ متى نصبح مثل الدول المتقدمة التي تحترم مواطنيها ؟
قبل حوالي شهرين كان يحضر أحد المؤتمرات كعادته في أوروبا الذي يناقش كيفية تحفيز الموظفين وتحسين الأداء الوظيفي ، جلس في كرسيه الجلدي الوثير وبدأ يطالع الأخبار في الصحف اليومية ، لم يجد ما يثير اهتمامه ، شرع بحل الكلمات المتقاطعة ،
بدا مدير مكتبه متهيباً وهو يقدم خطوة ويؤخر أخرى حاملاً بريد الصباح ،

- ماذا وراءك ؟ لماذا تقف منتصبا كالتمثال ؟
- سعادة المدير ... لا أدري كيف أبدأ ...... إنه ... إنه بخصوص أحمد .
- من ؟ من هو أحمد ؟
- سيادتكم ، إنه يعمل في قسم الأرشيف وقد قدم عدة طلبات مؤخراً بخصوص سلفة ،
أشعل المدير سيجاره الكوبي الفاخر والذي يحرص على اقتنائه من أفخر الأنواع وبدأ يرقب مشهد سحب الدخان الذي ينفثه في هواء الغرفة .
- ألم يأخذ سلفة الشهر الماضي ؟ انه جشع لا يشبع أبدا .
- سيادتكم ! لقد رزق بمولود الأسبوع الماضي .
- ما بال هؤلاء ؟ يتناسلون مثل الأرانب ، لماذا لا يخططون للمستقبل ، هؤلاء سبب تأخر البلد ، تباً لهم !

أخرج قلمه الباركر الثمين من جيب بدلته وبدأ يكتب ، " نظراً للظروف التي تمر بها الشركة ، يرفض طلب المدعو ، وبهذه المناسبة نهيب بكافة الموظفين ترشيد الاستهلاك و ممارسة سياسة شد الأحزمة "
ولم ينس أن يذيل توقيعه الذي تدرب عليه مراراً ، استدار نحو مدير مكتبه وبادره بالسؤال .
- سامي ! هل حجزت كل الطاولات في المطعم للوفد الأجنبي ؟ نريد أن نظهر أمامهم بمظهر لائق ، يجب أن تكون المائدة عامرة بما لذ وطاب ، مهما بلغت التكاليف ، ولا تنس الكافيار !

السويد – 19 / 05 / 2016
Read more ...

الأربعاء، 18 مايو 2016

بدون مجاملة – محمد الفاضل


لا أذيع سراً إذ أقول أن الأثير أصبح ساحة تراشق إعلامية واختلط فيها الحابل بالنابل ، وأضحت مهمة الوصول إلى الحقيقة يكتنفها شئ من الصعوبة نظراً لدور الإعلام غير المحايد في تشويه الوقائع ولي عنق الحقائق ، بيد أن الحصول على المعلومة الصحيحة ليس بالأمر العسير ، حيث أصبح كل شئ متاح في ظل التطور التكنولوجي ، شرط قراءة التاريخ بعقلية منفتحة ودون تحيز ، وبموضوعية وتحليل الأحداث وقراءة مابين السطور .

ولا يخفى على القارئ الحصيف دور بعض المثقفين والاعلاميين في تزوير الحقائق والدفاع باستماتة عجيبة عن الأنظمة القمعية بدوافع شتى ، بل وصل بهم الأمر بإصدار شهادات وطنية وحسن سلوك لحكامنا، وشد ما كانت دهشتي حين قرأت لبعض الأدباء الذي كنت أجلهم كثيراً ، وهو ينبري للدفاع عن نظام القتل في سوريا وكيل المديح لروسيا و بوتين .

هؤلاء ينحون باللائمة على المعارضة السورية والشعب المتاَمر ، وبعض الدول المجاورة التي تتاَمر على سوريا ، وهذا جانب من الحقيقة ، أو بالأحرى الجزء الفارغ من الكأس ، و لأجل أن نرى الصورة كاملة ، يجب أن نحرر عقولنا ونتسم بالموضوعية للوصول إلى كنه المشكلة الحقيقية.
وهنا يتوجب علي استخدام مبضع الجراح بعناية فائقة ، توخياً للحذر بعدم إصابة المصداقية بجروح ، مما قد يؤدي للوقوع في شرك الطائفية المقيتة والنظرة الضيقة ، ناهيك عن التعصب الأعمى ،

ولا أخترع البارود حين أقول أن سوريا أصبحت ساحة لتصفية الحسابات ، ولكن يبقى السؤال الأهم ، ألا وهو أين موقع النظام من الإعراب ، وهل يتحمل المسؤلية ، أم هي مجرد مؤامرة كما يحلو للبعض أن يسميها؟
ولنبدأ بالقضية الفلسطينية ، تلك الورقة التي يلعب بها النظام و يتاجر ، في عام 1976 حاصرت الوحدات الخاصة السورية مخيم تل الزعتر في لبنان ونفذت إبادة جماعية بحق سكان المخيم ، بل تعداه إلى منع الصليب الأحمر من دخول المخيم ، حيث اغتصبت النساء وأذل الشيوخ على مرأى من أبنائهم وتم قتل الالاف ، حتى اضطر الناس إلى أكل لحم القطط نتيجة للحصار والتجويع ، أليس هو نفس السيناريو الذي يتكرر اليوم مع فارق الفترة الزمنية ؟ وهذه وقائع تاريخية مثبتة لا يمكن انكارها .

و لاننسى معارك طرابلس ضد عرفات ، وقتال المقاومة الفلسطينية ، هذه هي حقيقة المقاومة والممانعة ، والقائمة تطول ، من قام باغتيال كل من كمال جنبلاط ، المفتي حسن خالد ، وصولاً لرفيق الحريري وجبران تويني ، وبشير الجميل ؟ ولكني لن أطيل على القارئ .
في عام 2000 تم تغيير الدستور السوري لعام 1973 وفصل على مقاس بشار اَنذاك حيث كان عمره 34 سنة والدستور واضح ، عمر الرئيس يجب أن لا يقل عن 40 سنة ، بل وصلت المهزلة إلى انتخابه أمين عام للحزب !
قام النظام باعتقال زعيم الحزب الشيوعي السوري رياض الترك واستاذ الاقتصاد الدكتور عارف دليلة ، ورياض سيف و مأمون الحمصي ، متهماً اياهم بالتخابر مع دولة أجنبية.

نأتي إلى بداية الثورة ، ألم تكن سلمية ؟ ولكن النظام قابلها بالرصاص ! مع العلم كان بإمكانه أن يحتويها ، ولكنه الغرور والعقلية البوليسية . ولكي لا يتفلسلف علينا البعض ويستخدم ورقة داعش ، نقول لهم ، ألعبوا غيرها ! لم يكن قد دخل على خط الثورة اَنذاك.
نحن لا ننكر أن الثورة انحرفت عن مسارها ، ودخلت كل الأطراف ، بدون مبالغة ، على خط الثورة ، ولكن هذا لا ينفي إجرام النظام ، تلك هي المشكلة الأساسية ، وما اَلت اليه الأمور نتيجة طبيعية ، هل من عاقل ينكر استخدام البراميل فوق المدن وصواريخ أرض أرض ، ناهيك عن الطيران وقصف الأسواق الشعبية ، والغازات الكيماوية , و الجزء الأخطر اللعب بالورقة الطائفية ! وجلب ميليشيات طائفية ، والزج بها في أتون الحرب ، أليس هو النظام من استخدم ورقة داعش ؟
البعض يغمز من طرف الاستعانة بالمقاتلين الأجانب, ولكن ألا يفعل النطام الشيء نفسه! أم أن كل تلك الميليشيات الطائفية هي حمامات سلام!

Read more ...

الاثنين، 16 مايو 2016

قصص مفبركة – محمد الفاضل



صبية بعمر الزهور ، تقطر براءة ، مثل برعم تفتح للحياة ، متعطش لنور الشمس ، في غصن شجرة أسودت جميع أوراقها بفعل البارود ودخان المدافع ، وتكاثرت عليها معاول وفؤوس الحقد ، تهرول مفزوعة والخوف ينهش قلبها الصغير ، تجري على غير هدى ، لا تلوي على شئ ، تبحث عن زاوية اَمنة تأوي إليها ، ساقاها لا تقويان على حملها ، تستصرخ ضمائركم ، عقلها الطفولي لم يستوعب ما يحدث ، تصرخ ملء شدقيها ،

" حبابة خالة ، فوتيني على بيتك قبل ما يجي البرميل الثاني " .

تستغيث ، ولا مجيب ، في زمن العهر والرذيلة تستباح الطفولة ، والعالم يدير ظهره ، مشغول بأمور البيئة وطبقة الأوزون !!

صبي يودع الحياة بعبارة " سوف أخبر الله بكل شئ " .

ولكن ، مهلاً ...أين منظمات حقوق الطفولة ؟ هل يجب أن نغير جلودنا ، وأسماءنا ، ونتبرأ من جنسياتنا ، حتى نُسمع ؟

صبية جريحة ، تتوسل بالمسعفين وتقول بصوت مفجوع

" لا تقصوا بيجامتي .. بيجامتي جديدة " .

صبي كل ذنبه أنه ينتمي إلى مدن الفجيعة والأحزان ، تلك البقعة المنسية ، في الأرض اليباب ، تتشح عروس الشام بالسواد ، مثخنة بالجراح ، تنهمر دموعه ويصرخ ...

" وينك يا أختي، يا أسماء ! يا أسماء ! .... أختي ماتت ، أختي ماتت " .

يجلس والده بجسده المتهالك على الرصيف مع باقي إخوته وقد خرجوا للتو من تحت البراميل ، والغبار يغطي وجوههم ، وقد عقدت الدهشة ألسنتهم ،
أجساد مطمورة تحت التراب ، ألا يستحقون دقيقة صمت ، أو حتى مراسم تأبين ؟
ألا يستحقون أن نعلن عليهم الحداد ؟ علمونا في صغرنا أن العرب أخوة ، ولكن اتضح أنها كذبة !
كنا نردد " بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان " ، حتى بحت أصواتنا ، وكان مدرس الجغرافيا يرسم خارطة الوطن ، على السبورة بالطبشورة ويردد مزهواً ، اللغة والدم ، ووحدة المصير تجمعنا !!
اَسف يا أستاذي !! مزقت كتب الجغرافيا والتاريخ ، لا شئ يجمعنا ، تلك هي خرافة ، انتهى الدرس !!
السويد – 2016 / 05 / 15
Read more ...

الخميس، 12 مايو 2016

عرض كوميدي – محمد الفاضل





مقدمة -


جرت العادة أن يتأنق المرء ويبالغ في اختيار البدلة التي سوف يرتديها في حالة دعوته إلى حفل عشاء فاخر ، أو مقابلة مسؤول مهم ، ثم ينهمك الجرسون في وضع السكاكين والملاعق ، والفوط والشوك في أماكنها الصحيحة حسب الاتيكيت المتبع. ولكني اليوم سوف أخالف القواعد والأعراف الدبلوماسية ، وأضرب عرض الحائط كل تلك المراسيم الكاذبة ، سأرتدي بنطلون الجينز والتيشرت ، وأدخل في صلب الموضوع ، ولن أبدأ بالسلطة أو باقي المقبلات ، بل بالطبق الرئيسي حفاظاً على وقت المواطن الثمين .

المشهد الأول -

يتم تحضير الأستوديو لعرض برنامج كوميدي ، يبدأ المخرج بإعطاء تعليماته الصارمة لطاقم التصوير ، ويبالغ مقدم البرنامج في وضع المساحيق ، ينظر في المرأة فيشعر بالرضا ، يضع اللمسات الأخيرة قبل العرض .يبدأ مقدم البرنامج بالضحك والسخرية وافتعال المواقف المضحكة لانتزاع الضحك من الجمهور الذي فقد حسه الإنساني ، فينهال بالتصفيق ، وتتعالى الضحكات ، حتى أن بعضهم يقلب على قفاه . موضوع البرنامج يتناول شعب مدينة جاحد لإنجازات الزعيم ، متاَمر ويستحق الموت لأنه يفبرك الأحداث.

المشهد الثاني -

- مواطن : هل يمكن أن تقدم نفسك إلى الجمهور ، وأنت بالطبع غني عن التعريف .
- الفنان :أنا فنان كوميدي أسلط الضوء في أعمالي على قضايا البسطاء ومشاكلهم .
- مواطن : ممتاز وكلنا يعلم أنك فنان مرهف الإحساس وقريب من نبض الشارع.
- مواطن : ماهو تقييمك ورأيك الشخصي بما يحصل في حلب ؟
- الفنان : مؤامرة ، يا سيدي كل ما يحصل مفبرك ، تمثيل مقهقهاً بصوت عال .
- مواطن : هل لك أن تشرح أكثر فقد التبس علي الموضوع ، من هو الضحية ؟ من يقصف من ؟
- الفنان : يا سيدي أنا من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان ، ولا يمكن شرائي . هي مجرد خدع سينمائية ، هؤلاء إرهابيون ، يريدون زعزعة أمن البلد واستقراره .
- مواطن : ولكن ، يا حضرة الفنان ، بينهم الأطفال والنساء ، ماذنب هؤلاء ؟ أنا أفهم أن تختلف مع جماعة أو حزب ، أو طائفة ، ولكن ماذا عن حقوق الإنسان ؟ أليسوا بشرا ؟ أنت تناقض نفسك .
- الفنان : أنا قلت ماعندي ، وأشعر براحة الضمير ، أرجوك أنا في عجلة ، ليس عندي وقت ، نحن نستعد لعرض مسلسل سوف يعرض في رمضان قريباً ، بعنوان " مسألة ضمير " .

المشهد الأخير -

بعد انتهاء التصوير ، يلملم الفنان أغراضه على عجل ، يستقل سيارته ويستمع إلى أغنيته المفضلة ، وفي المساء يتناول عشاءه على أنغام موسيقى هادئة ، ثم يضع رأسه على الوسادة ويغط في نوم عميق .

السويد – 12 / 05 / 2016
Read more ...

الأربعاء، 11 مايو 2016

رحلة الشمال – محمد الفاضل

سألني موظف المطار بتهكم ، ماذا تخفي في حقيبتك أيها القادم من مدن الأحزان والخيبات ، أجبته بصوت متلجلج ، لاشئ ياسيدي ، مجرد خارطة وطني الجريح ، وتنهيدات الأرامل ، وأدعية الأمهات ، وحفنة من تراب بلادي ، وبقايا ذاكرة وشتلة ياسمين . في بلادي يعربش الياسمين فوق الأسوار والنوافذ ، ينشر عبيره في الحارات فيثمل العشاق ،أنا المهاجر مثل طائر السنونو ، أنا السندباد ، أفنيت عمري وأنا أرتحل بين مرافئ الشتات وجزر الأحلام ، أحلم بالتأشيرة وأبحث عن جواز سفر، أصنع زورقا من ورق وأخط فوقه أجمل الأشعار ، ليبحر عبر الخلجان. في ذلك المساء ، يوم رحلت ، تحت ضوء القمر ، قالت أمي أن حجارة الدار تنتحب وكأنها تودعني الوداع الأخير ، ولكن هل سيزهر الياسمين في تلك البلاد الباردة ؟ أتسكع في مقاهي " كارلسكوجا " ، وأحلم برائحة المطر في مدينة الياسمين ، أنصت إلى وقع المطر فوق القرميد الأحمر في البيوت العتيقة ، رائحة الشتاء في بلادي معجونة بزهر الليمون . تمددت فوق العشب الأخضر ، في تلك المدينة وأنا أرهف السمع لأصوات العصافير ، ولكنها تعزف لحناً جنائزيا ، وجع ينسل إلى أضلاعي ، تسافر روحي إلى الشرق فوق بساط الريح حيث الدفء ، وصوت ناي الرعاة مع ثغاء الغنيمات و شدو الحساسين ،أغمس ريشتي في محبرتي ، وحروفي أخطها بمداد دموع الأمهات وتنهيدات الغياب ، و حيرة وأسئلة الأطفال . السويد – 11 / 05 / 2016 " كارلسكوجا " مدينة في السويد
Read more ...

الأحد، 8 مايو 2016

مطر على شرفات الذاكرة – محمد الفاضل

كم أعشق رائحة أشجار السرو والحشائش عندما تبكي السماء ، تحنو على الأرض ، فتنهمر دموعها السخية مدراراً ، بعد طول فراق تلثم شفاه الأزاهير العطشى للحب ، فتتمايل بغنج وتمد عنقها لتغازل بدلال حبات المطر بنشوة عارمة ، تعانق أرصفة الشوارع وشرفات المنازل ، تنبعث تلك الرائحة الأَخاذة من الأرض ، فتنعش الفؤاد ،وتغتسل النفوس الحالمة حد الثمالة ، حتى شوارع المدينة وأبنيتها العتيقة من أدران النهار التي علقت بها .تبتل أجنحة العصافير ،تنفض ريشها ، تقفز فرحاً . خلف موانئ الوداع والشتات ، وراء البحور البعيدة ، أجلس في زاويتي الأثيرة ،خلف شرفتي ، أرقب خطوط المطر المتعرجة تنساب فوق النافذة ،أرتشف قهوتي المعتادة ، ممسكاً بقلمي لألون دفتر يومياتي ، أفتش بين طيات الذاكرة المكسوة بغبار سنين الغربة عن أجمل لحظات عمري ، وبقايا صور باهتة . مضى من العمر جله ، ومازلت أحلم بتلك الأيام الغارقة في العطر ، القادمة من حكايات المساء والأساطير ، تجتاحني فتستعر نار الشوق والحنين في خبايا روحي التواقة لعناق الحبيبة ، ذات الضفائر الحالكة السواد كعتمة الليل عندما تنسدل على كتفيها ،وكأنها فينوس الجمال ، أتعلق بظلها ، أركن اليها ،أبوح لها بأسراري وهواجسي ، فتملأ قلبي بشهد حنانها وحكمتها ، فتهدأ روحي وتستكين ، مثل حكايات الأميرة ذات الضفائرفي ذلك القصرالبعيد .ولكني ما عدت ذلك الفارس ! لقد غزا خصلات شعرك اللون الفضي ، وحفر الزمن تجاعيد فوق قسمات وجهك الذي يطفح بنور ملائكي ، لا أدري ، فكلما نظرت إلى صورك ، أجدني أختنق وأغص بالعبرات ، لقد تغير كل شئ. وجع يمتد من أخمص قدمي إلى رأسي ، يا لقسوة الزمن . لم تعد تلك الرائحة تستهويني ،بت أمقت أيام العيد ، من يعيد لي عبق كرنفالات العيد وأجواء الفرح ؟ من يعيد لي رائحة المطر عندما تجود السماء بحنانها على الأرض المتعطشة للحب ؟ كنت أعشق حبات المطر وهي ترتطم تباعاً بسطح المنزل ، وكأنها سمفونية تشترك فيها الطبيعة . ولكنها أصبحت مجرد ذكريات منذ زمن سحيق. سأترك شمعة مضيئة عند شرفتي مع زهور اللافندر حتى حين . سنلتقي ، خبرني السنونو غداة افترقنا . السويد – 2016 / 05 / 07
Read more ...

الجمعة، 6 مايو 2016

عندما يتحول الوطن إلى خيمة – محمد الفاضل

لا تملك أمام هذا الصبي الذي شاخ قبل أوانه ، سوى أن تعجب به ، يتوقد ذكاءاً وفطنة ، وأنت في حضرته تشعر وكأنك أمام فيلسوف ، عركته الحياة وسبر كل أغوارها ، يحلل الوضع ويضع يده على الجرح . عقل راشد ، حبيس في جسد طفل ، كان سعيد يعيش مع عائلته في مدينة حلب ، وهو أصغر إخوته ، ولكنه أكثرهم وعياً ، أصبح الوضع في المدينة لا يطاق ، القصف يومي ، ويطال كل شئ ، بالأمس القريب ودعوا جيرانهم الطيبين بعد أن سقطت قذيفة فوق رؤوسهم ، فحولت منزل الأحلام ، وملاعب الصبا أثرا بعد عين. جمعت العائلة بعض الأغراض على عجل وقررت الرحيل واللجوء إلى مخيم الكمونة ، الواقع قرب مدينة سرمدا ، في ريف إدلب ، قرب الحدود ، وهو يضم اَلاف النازحين من المناطق السورية ، لحظات وداع الأقارب والجيران كانت مؤثرة ، تخللتها دموع ودعوات بالتوفيق ، المخيم يضم مجموعة خيام بلاستيكية ، يقطنه حوالي عشرون ألف لاجئ ، جلهم من النساء والأطفال ، الذين اضطرهم القصف الهمجي إلى اللجوء إليه ، برغم الهدنة المعلن عنها. تعرف سعيد على صبي في الخيمة المجاورة ، وتوطدت الصداقة بينهم ، مع مرور الأيام ، فأصبح صديقه المفضل ، ومستودع أسراره ، أحمد يكبر سعيد بعامين ، لجأ مع عائلته إلى المخيم ، بعد أن فقد والده. - سعيد ! ولكن أين والدك ، لماذا لم يلحق بكم ؟ سأل أحمد . - لقد سبقنا إلى الجنة ، أجاب سعيد . - هل ترى نهاية لهذه الحرب المجنونة ، ياسعيد ؟ هل يمكن أن نعود في يوم ما ، إلى مدينتنا وننسى كل هذه الأهوال والأحزان ؟ أشعر بالحنين . - الوضع أصبح في غاية التعقيد ، لست متفائلاً . - هل يمكن أن يطالنا القصف ، ياسعيد ؟ - محال ياصديقي ، فكما تعلم هناك هدنة ، علاوة على أن المكان قرب الحدود ، ومعروف للجميع بأنه مخيم للنازحين ، وليس موقع عسكري . اطمئن . شعر أحمد ببعض الارتياح بعد تأكيد سعيد ، ولكن كان يساوره بعض القلق، استيقظ سعيد فزعاً على صوت انفجارات مدوية ، وكأنها يوم القيامة ، في البداية لم يع ماحدث ، تحامل على جراحه وبدأ يبحث بين الركام والدخان عن أفراد أسرته ، عشرات الجثث المتفحمة تملأ المكان ، تم تدمير المخيم بشكل شبه كامل ، واحتراق عشرات الخيام. لقد فقد جميع أفراد اسرته ، بدأ يقفز كالمجنون ، وهو يبحث عن أحمد ، على مقربة من بقايا خيمة محترقة ، كان يرقد صديقه، والدماء تغطي وجهه البرئ ، لقد فارق الحياة. - اَه يا صديقي ! سامحني ! لقد وعدتك بأن لا يصيبك مكروه ، ولكنهم سفاحون ، قتلة ، لايعترفون بالهدنة ! السويد – 6 / 5 / 2016
Read more ...

الاثنين، 2 مايو 2016

اَه يا عرب ! – محمد الفاضل

اَه يا عرب ! – محمد الفاضل حلب ، دمعة ثكلى تحرق القلب ، وزفرة طفلة تحتضن دميتها ، تبكي بحرقة ، تشكو تخاذل العرب اَه يا وجع القلب يا حلب ، يا ملح البلد ، حلب صرخة والد فقد فلذات كبده ، رفع أكف الضراعة إلى السماء يشكو ظلم ذوي القربى ، ودمع العين قد سكب وطفولة توأد تحت التراب دون سبب . تبت يدا أبي لهب جامعة العهر ، أين ميثاق الشرف ؟ هل تحتاج النخوة إلى طلب ؟ تغضون الطرف عن نيرون ، تلتمسون له ألف سبب أبناء عمومتي أين وشائج القربى و النسب ؟ ويحكم من شر قد اقترب حاقد يقبع خلف الحدود للثأر قد طلب ومدعي مقاومة للدم قد سكب من يضمد جراحك ويهدهد أوجاعك يا حلب ؟ ما دام منا الرشيد ، ومنا الوليد ، لن تطفئوا نور الشمس محال ، وعد الحق قد اقترب
Read more ...