السبت، 6 أغسطس 2016

سليم في حضرة الوزير – محمد الفاضل




تحلق عدد من أهالي القرية المنسية حول سليم وهم يتدافعون بحماس ، حرص على تدوين كل احتياجات الأهالي وصياغتها بأسلوبه المميز ، كان أوفرهم حظا فقد أكمل تعليمه الإبتدائي ، ناهيك عن ذكائه المتوقد وخطه الجميل بشهادة الجميع ، انهمرت عليه الطلبات مثل زخات المطر ، بدا متململا ولكنه آل على نفسه أن ينقل الرسائل بأمانة وصدق . شرع بالكتابة وهو في حالة حبور وترقب ، غدا سوف يمتع ناظريه برؤية الوزير الذي تكرم ووافق عل زيارة قريتهم عشية الانتخابات برغم مشاغله الجمة وحجم الأعباء الملقاة عل عاتقه ، هو الأقرب إلى نبض الشارع كما يبدو في التلفاز عند زياراته التفقدية الموزعة على خارطة الوطن .

سليم من أشد معجبيه ، هو ابن قريتهم ، ولطالما أسبغ عليه صفات جمة وأطنب في وصف ورعه وحبه للشعب ، ونزاهته التي هي فوق الشبهات ، حتى أنه رفعه إلى مصاف الأنبياء ، تحولت القرية إلى خلية نحل وكل منشغل بأمر ما ، هذا يعلق صور ابن القرية البار وذاك يزين دكانه بلافتات كتب فوقها عبارات ترحيب ، وآخر يعلق الزينة مع الأعلام .

في ذلك الصباح الربيعي المشرق اصطف الأهالي وتوزعوا عند مدخل القرية وقد ارتدوا ثياب العيد ، تصدر المشهد الوجهاء مع مختار القرية ، يرافقهم سليم وهو ينوء بحمل العرائض والظلامات التي قام بكتابتها أمس. حبست الأنفاس واشرأبت وتطاولت الأعناق فقد لاح موكب الوزير ، تحف به السيارات الفارهة التي تنهب الطريق الريفي مخلفة سحابة من الغبار ، تعالت الزغاريد وصدحت الأصوات بهتافات تدرب عليها الجميع مساء البارحة تحت إشراف سليم ، ونحرت الأغنام احتفاءا بوصول ابن الشعب البار .

تسابق الأهالي نحو السيارة وكل يمني النفس بلثم يد الوزير ونيل شرف مصافحته ، استنفر طاقم الحماية وبدأوا بتفريق وإبعاد الأهالي ، في تلك الأثناء كان الوزير يلوح بيده لجموع المحتشدين وهم يتدافعون بحماس ، اقترب سليم من السيارة وهو يحمل هموم الأهالي وهم بلثم يد الوزير ، مد الوزير يده باشمئزاز متصنعا الود حيث طبع سليم قبلة فوق يده ولم ينس أن يسلمه الأمانة التي كلف بها ، تجهم وجه الوزير وشعر بالتقزز ، أومأ لمرافقه ، فناوله المناديل المعطرة ومسح يده بقرف ظاهر وهو يتمتم :

- رائحة ذلك الفلاح تفوح بروث البقر وفضلات الدجاج !

- ولكن ، يا سيادة الوزير ، ماذا أفعل بكل تلك الأوراق ؟ سأل مرافق الوزير .

- تخلص منها ، تصرف ! ارمها في أقرب سلة مهملات ، أجاب الوزير ، ويحهم ! كيف يتجرأون ؟ هؤلاء الفلاحون لا يشبعون... أردف قائلا .

السويد – 6/ 8 / 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق