الأحد، 19 فبراير 2017

حلم على قارعة الطريق – محمد الفاضل




بدأت الريح تعوي في الخارج مثل نائحة ثكلى ناشبة أظافرها في صفيح سقوف المنازل والأشجار مقتلعة في طريقها الأغصان مطوحة بها بعيدا ، توارى القمر خلف غلالة رقيقة تلف الكون ، سكن الليل وخيم الظلام فوق المدينة وبدأت المصابيح تتثائب خلف الستائر حيث أوى الجميع إلى فراشهم ، مشهد أغصان الأشجار  يشبه عجوزا ساحرة تمد مخالبها الطويلة لترسم لوحات مبهمة فوق زجاج النوافذ ، صوت احتكاك الأغصان بالنوافذ يبعث على الخوف والمشهد برمته ينذر بحدوث كارثة .

عقارب الساعة اقتربت من الثانية عشرة ليلاً ، خلف تلك الستائر المهترئة الكالحة ، في ذلك المنزل المتهالك تكور سعيد تحت اللحاف وقد تسلل البرد عميقاً داخل عظامه ، لم يغمض له جفن ، سرح بخياله بعيداً وقد تملكه قلق بالغ .

عمت الفرحة أرجاء البيت وحلق طائر السعد ناثراً وعوداً جميلة وأماني وردية بعد تخرج سعيد من كلية التجارة بتفوق ، وفي صباح  الغد سوف يجد السير نحو أحد مكاتب الوزارة ليتقدم للوظيفة المعلن عنها في الجريدة الرسمية . الأم قائمة في جوف الليل تتضرع  فوق سجادة الصلاة رافعة أكف الضراعة ولسانها يلهج بدعاء رقيق والعبرات تخنقها ، سوف تنتهي أيام الشقاء قريباً بعد أن يحصل سعيد على الوظيفة التي طالما حلم بها . ندت عنها  تنهيدة حارة عندما استرجعت تلك الأيام بمرارتها بعد أن مرت العائلة بضائقة مالية وذلك لتأمين المصاريف الدراسية لسعيد .

على مقربة من فراش سعيد كان أحمد يرقد  متظاهراً بالنوم وقد انفرجت أساريره عن ابتسامة حالمة وبدأ يحلق فوق السحاب وهو يتخيل نفسه مرتدياً الحذاء الجديد والحقيبة المدرسية التي وعد بشرائها سعيد .

- هل سوف تشتري لي الحذاء والحقيبة حقاً ، ياأخي ؟  سأل أحمد .
- بالتأكيد ، يا أحمد ... حالما أقبض أول مرتب ، كما وعدتك ، والآن دعنا نأخذ قسطا من الراحة ، غدا سوف يكون يوما حافلا ويجب أن أكون بكامل نشاطي .

في ذلك الصباح البارد نهض سعيد مبكراً ، يحدوه الأمل بغد أفضل وقد خالطت روحه فرحة عارمة ، ارتدى بدلة والده المتوفى ، مزهواً بعد أن أدخلت عليها والدته بعض التعديلات كي تناسب مقاسه ،ولم ينس أن يصطحب معه شهادة التخرج وقد حرص على وضعها بداخل ملف ، ستكون تذكرته للمستقبل وسوف تنتشله من فقره المدقع ، تزاحمت كل تلك الصور في مخيلته وهو يستقل الباص في طريقه إلى مقر المكتب .

تسارعت دقات قلبه وهو يرتقي السلالم إلى الطابق الخامس ، انقطعت أنفاسه وبدأ يلهث من فرط التعب ، دلف إلى المكتب ولشد ما استرعى انتباهه عدد المتقدمين إلى الوظيفة ، أحد المتقدمين كان يبدو عليه أثر النعمة واضحاً وقد وقف معتداً بنفسه غير عابئ بنظرات الآخرين وهو يرمقهم بازدراء  ، .وماهي سوى دقائق حتى خرج السكرتير معلناً عن فوز أحد المرشحين بالوظيفة . تقدم ذلك الشاب الأنيق ولكن السكرتير أومأ له برأسه أنه ليس الشخص المرشح ،

- لقد حصلت على الوظيفة ! هل يعقل ذلك ؟

شعر سعيد بفرح غامر يجتاح كل جوارحه ، كان يطير فوق السلالم وهو يغادر المكتب وقلبه يرقص طرباً ، وبينما كان يهم بعبور الشارع ، سُمع زعيق فرامل تردد صداه في أرجاء الشارع ، سيارة منطلقة بسرعة جنونية ،  تطايرت الأوراق التي كانت بحوزته في الهواء ، رقد جثة هامدة دون حراك .

السويد
  3 / 8 / 2016










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق