السبت، 1 أبريل 2017

أحلام مؤجلة – محمد الفاضل



وسط المروج الخضراء وحقول سنابل القمح الذهبية ، وتحت ظلال أشجار اللوز والزيتون ، في تلك القرية الحالمة على كتف رابية ساحرة والتي شهدت قصة حب جارف بين حسناء وقاسم ، تكللت بالزواج الذي جمع بين قلبيهما ، ثم من الله عليهم بطفل جميل ،عمت الفرحة أرجاء البيت ومع مرور الأعوام أضحت حسناء أكثر تعلقاً به ، أصبح أحمد الشمعة التي تنير دياجير عمرها  ولم تألوا جهداً في تربيته وتلبية طلباته. في ذلك اليوم المشؤؤم فقدت الأم توأم روحها وسندها الوحيد في حادث سيارة ، حيث شكلت تلك الواقعة منعطفاً هاماً  في حياتها.
 كانت حسناء محط أنظار رجال القرية قبل زواجها والجميع يخطب ودها ، ولكن قلبها اختار قاسم . مع مرور الأيام أحست الأم بعبء المسؤولية وبدأت الهموم تثقل كاهلها  وأعباء الحياة تضغط على أنفاسها . رفضت كل عروض الزواج بعيد فقد زوجها ، وانكبت على تربية أحمد الذي أصبح محور حياتها وزهرة في حديقة قلبها . كانت تجد لذة في شم عطره العالق في ملابسه حين تغسلها ، ولطالما قربتها من أنفها حتى تمتلئ رئتيها بأنفاسه  .

لم تجد بداً من الخدمة في البيوت في سبيل تأمين لقمة العيش لولدها ، ومع غلاء الأسعار قررت أن تشتري  ماكينة خياطة وكانت تواصل الليل مع النهار وهي تعمل بدون كلل ، كبر أحمد وبدأ يرتاد الجامعة في المدينة التي تبعد ساعتين عن القرية . في ذلك المساء انتابتها نوبة سعال حادة وكم تمنت وجود أحمد بقربها ليخفف عنها ويمسح على جبينها .
 قررت أن تخف الأمر عنه وهي تقنع نفسها بأنه مجرد عارض وسعال سرعان مايزول . تخرج أحمد وبدأ يعمل في شركة مرموقة في المدينة وأصبح يتغيب معظم الوقت بحجة انشغاله ، شعور الوحدة كان يقتلها شيئاً فشيئاً ، مثل السم عندما يتسرب في الجسم فيصبح سقيماً . بدأت نوبات السعال تتكرر وفي أحد المرات بصقت دماً . قرر أحمد أن ينتقل للعيش في المدينة ولم يجد صعوبة في اختلاق الحجج . وافقت الأم على مضض والألم يعتصر قلبها ، حتى أنه لم يلحظ هزالها الشديد وعينيهاا الغائرتين من شدة السهر وهي تعمل فوق ماكينة الخياطة .

في ذلك المساء البارد ، كانت حسناء في شوق عارم لضم ولدها الوحيد ، احتضنت الوسادة وهي تتأمل صورته عندما كان صغيراً ، قربتها من صدرها وهي تسعل دماً ، سافرت مع غيمة بيضاء نحو الأفق البعيد . لتمطر فوق الحقول في مكان بعيد . بعد مرور عدة أيام زار أحمد والدته بعد أن أحس بوخز الضمير ، دلف إلى الغرفة مسرعاً وقد كانت ممسكة بصورته وقد أبيضت بشرتها ولم تبد حراكاً .


السويد 17 / 7 / 2016





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق